فصل: ردة أهل عمان ومهرة واليمن.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.ردة الحطم وأهل البحرين.

لما فرغ خالد من اليمامة ارتحل عنها إلى واد من أوديتها وكانت عبد القيس وبكر بن وائل وغيرهم من أحياء ربيعة قد ارتدوا بعد الوفاة وكذا المنذر بن ساوى من بعدها بقليل فأما عبد القيس فردهم الجارود بن المعلى وكان قد وفد وأسلم ودعا قومه فأسلموا فلما بلغهم خبر الوفاة ارتدوا وقالوا لو كان نبيا ما مات فقال لهم الجارود تعلمون أن لله أنبياء من قبله ولم تروهم وتعلمون أنهم ماتوا ومحمد صلى الله عليه وسلم قد مات ثم تشهد فتشهدوا معه وثبتوا على إسلامهم وخلوا بين سائر ربيعة وبين المنذر بن ساوى والمسلمين.
وقال ابن إسحق كان أبو بكر بعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاه فلما كانت الوفاة وارتدت ربيعة ونصبوا المنذر بن النعمان بن المنذر وكان يسمى المغرور فأقاموه ملكا كما كان قومه بالحيرة وثبت الجارود وعبد القيس على الإسلام واستمر بكر بن واثل على الردة وخرج الحطم بن ربيعة أخو بني قيس بن ثعلبة حتى نزل بن القطيف وهجر وبعث إلى دارين فأقاموا ليجعل عبد القيس بينه وبينهم وأرسل إلى المغرور بن سويد أخي النعمان بن المنذر وبعثه إلى جواثي وقال اثبت فإن ظفرت ملكتك بالبحرين حتى تكون كالنعمان بالحيرة فحاصره المسلمون بجواثي وجاء العلاء بن الحضرمي لقتال أهل الردة بالبحرين ومر باليمامة فاستنقر ثمامة بن أثال في مسلمة بني حنيفة وكان مترددا وألحق عكرمة بعمان ومهرة وأمر شرحبيل بالمقام حيث هو يغاور مع عمرو بن العاص أهل الردة من قضاعة عمرو يغاور سعدا وبلق وشرحبيل يغاور كلبا ولفها ثم مر ببلاد بني تميم فاستقبله بنو الرباب وبنو عمرو ومالك بن نويرة بالبطاح يقاتلهم ووكيع بن مالك يواقف عمرو بن العاص وقيس بن عاصم من المقاعس والبطون يواقف الزبرقان بن بدر والأبناء عوف وقد أطاعوه على الإسلام وحنظلة متوفقون فلما رأى قيس بن عاصم تلقى الرباب وبني عمر وقدم وجاء بالصدقات إلى العلاء وخرج معه لقتال البحرين فسار مع العلاء من بني تميم مثل عسكره ونزل هجر وبعث إلى الجارود أن ينازل بعبد القيس الحطم وقومه مما يليه واجتمع المشركون إلى الحطم إلا أهل دارين والمسلمون إلى العلاء وخندقوا واقتتلوا وسمعوا في بعض الليالي ضوضأة شديدة أي جبلة وصياحا وبعثوا من يأتيهم بخبرها فجاءهم بأن القوم سكارى فبيتوهم ووضعوا السيوف فيهم واقتحموا الخندق وفر القوم هرابا فمتمرد وناج ومقتول ومأسور.
وقتل قيس بن عاصم الحطم بن ربيعة ولحق جابر بن بحير وضربه فقطع عصبه ومات وأسر عفيف بن المنذر والمغرور بن سويد وقال للعلاء: أجرني فقال له العلاء: أنت غررت بالناس فقال: لكني أبا مغرور ثم أرسل وأقام بهجر ويقال إن المغرور اسمه هو بلقب وقتل المغرور بن سويد بن المنذر وقسم الأنفال بين الناس وأعطى عفيف بن المنذر وقيس بن عاصم وثمامة بن أثال من أسلاب القوم وثيابهم وقصد الفلال إلى دارين وركبوا السفين إليها ورجع الآخرون إلى قومهم.
وكتب العلاء إلى من أقام على إسلامه من بكر بن وائل بالقعود لأهل الردة في السبل وإلى خصفة التميمي والمثنى بن حارثة بمثل ذلك فرجعوا إلى دارين وجمعهم الله بها ثم لما جاءته كتب بكر بن وائل وعلم حسن إسلامهم أمر أن يؤتى من خلفه على أهل البحرين ثم لما ندب الناس وأن يستعرضوا البحر فارتحلوا واقتحموا البحر على الظهر وكلهم يدعو: يا أرحم الراحمين يا كريم يا حليم يا أحد يا صمد يا حي يا محيي الموتى يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت يا ربنا ثم أجازوا الخليج يمشون على مثل رمل مشيا فوقها ما يغمر أخفاف الإبل في مسيرة يوم وليلة فلقوا العدو واقتتلوا وما تركوا بدارين مخبرا وسبوا الذراري واستاقوا الأموال وبلغ نفل الفارس ستة آلاف والرجل ألفين.
ورجع العلاء إلى البحرين وضرب الإسلام بجرانه ثم أرجف المرجفون بأن أبا شييان وثعلبة والحرقد جمعهم مفروق الشيباني على الردة فوثق العلاء باللهازم وتقاربهم وكانوا مجمعين على نصره وأقبل العلاء بالناس فرجعوا إلى من أحب المقام وقفل ثمامة بن أثال فيهم ومروا بقيس بن ثعلبة بن بكر بن وائل فرأوا خميصة الخطم عليه فقالوا هو قتله! فقال: لم أقتله ولكن الأمير نفلنيها فلم يقبلوا وقتلوه وكتب العلاء إلى أبي بكر بهزيمة أهل الخندق وقتل الخطم قتله زيد وسميفع فكتب إليه أبو بكر إن بلغك عن بني ثعلبة ما خاص فيه المرجفون فابعث إليهم جندا وأوصهم وشرد بهم من خلفهم.

.ردة أهل عمان ومهرة واليمن.

نبغ بعمان بعد الوفاة رجل من الأزد يقال له لقيط بن مالك الأزدي يسامى في الجاهلية الجلندي فدفع عنها الملكين اللذين كانا بها وهما جيفر وعبد ابنا الجلندي فارتد وادعى النبوة وتغلب على عمان ودفع عنها الملكين وبعث جيفر إلى أبي بكر بالخبر فبعث أبو ربكر حذيفة بن محصن من حمير وعرفجة البارقي حذيفة إلى عمان وعرفجة إلى مهرة وإن اجتمعا فالأمير صاحب العمل وأمرهما أن يكاتبا جيفر أو يأخذا برأيه وقد كان بعث عكرمة إلى اليمامة ومسيلمة ووقعت عليه النكبة كما مر فأمره بالمسير إلى حذيفة وعرفجة ليقاتل معهما عمان ومهرة وبتوجه إذا فرغ من ذلك إلى اليمن فمضى عكرمة فلحق بهما قبل أن يصلا إلى عمان وقد عهد إليهم أبو بكر أن ينتهوا إلى رأي عكرمة فراسلوا جيفرا وعبدا وبلغ لقيطا مجيء الجيوش فعسكر بمدينة دبا وعسكر جيفر وعبد ببصحار واستقدموا عكرمة وحذيفة وعرفجة وكاتبوا رؤساء الدين فقدموا بجيوشهم ثم صمدوا إلى لقيط وأصحابه فقاتلوهم وقد أقام لقيط عياله وراء صفوفه وهم المسلمون بالهزيمة حتى جاءهم مددهم من بني ناجية وعليهم الحريث بن راشد ومن عبد القيس وعليهم سنجار بن صرصار فانهزم العدو وظفر المسلمون وقتلوا منهم نحوا من عشرة آلاف وسبوا الذراري والنساء وتم الفتح وقسموا الأنفال وبعثوا بالخمس إلى أبي بكر مع عرفجة وكان الخمس ثمانمائة رأس.
وأقام حذيفة بعمان وسار عكرمة إلى مهرة وقد استنفر أهل عمان ومن حولها من ناحيته الأزد وعبد القيس وبني سعيد بن تميم فاقتحم مهرة بلادهم مهرة وهم على فرقتين يتنازعان الرياسة فأجابه أحد الفريقين وسار إلى الآخرين فهزمهم وقتل رئيسهم وأصابوا منهم ألفي نجيبة وأفاد المسلمون قوة بغنيمتهم وأجاب أهل تلك النواحي إلى الإسلام وهم أهل نجد والروضة والشاطئ والجزائر والمر واللبان وأهل جيرة وظهور الشحر والفرات وذات الخيم فاجتمعوا كلهم على الإسلام وبعث إلى أبي بكر بذلك مع البشير وسارعوا إلى اليمن للقاء المهاجر بن أبي أمية كما عهد إليه أبو بكر.